روائع مختارة | روضة الدعاة | زاد الدعاة | ما من شيء أخطر على دين الله من آراء الرجال

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > زاد الدعاة > ما من شيء أخطر على دين الله من آراء الرجال


  ما من شيء أخطر على دين الله من آراء الرجال
     عدد مرات المشاهدة: 2932        عدد مرات الإرسال: 0

{أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا} [الفرقان:43].

الحمد لله الذي جعل الدين قواماً، ومحمداً صلى الله عليه وسلم للعالمين إماماً، فأكمل على يديه الدين وأتم به علينا النعمة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} [المائدة:3].

فما لم يكن في ذلك اليوم ديناً فلن يكون اليوم ديناً كما قال مالك الإمام رحمه الله، وذلك أن رسولنا الكريم تركنا على المحجة البيضاء والحنيفية السمحة ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.

من المعلوم من دين الله عز وجل ضرورة أن الدين ليس بالعقل ولا بآراء الرجال ولكن بالإتباع والإقتداء: «تركت لكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض» رواه الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه، والجامع الصغير للسيوطي رقم: 3283.

قال المناوي في فيض القدير جـ3/241: أنهما الأصلان اللذان لا عدول عنهما، ولا هدى إلا منهما، والعصمة والنجاة لمن تمسك بهما، وإعتصم بحبلهما، وهما الفرقان الواضح والبرهان اللائح بين المحق إذا اقتفاهما والمبطل إذا خلاهما، فوجوب الرجوع إلى الكتاب والسنة متعين معلوم من الدين بالضرورة.

ولهذا قال علي رضي الله عنهما: لو كان الدين بالرأي لكان باطن الخف أولى بالمسح من ظاهره.

فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يعتد برأيه ويغتر به بل الواجب إتهام الرأي والحذر منه، ورضي الله عن عمر عندما قال ناصحاً لإخوانه المسلمين ومرشداً ومحذراً لهم من الإغترار بالرأي: أيها الناس إتهموا الرأي، لو رأيتنا يوم أبي جندل، لو إستطعنا أن نرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم لرددنا أو كما قال.

إذا كان عمر يُحَذِّر ويأمر بإتهام الرأي ولو صدر منه ومن أمثاله، فكيف بزبالات من هم دون عمر أن يرد بها الحق المبين، وتقابل من خرج من فيء رسول رب العالمين؟

كل البدع والضلالات والزيغ والإنحراف والخلل الذي نخر في عقيدة الإسلام قديماً وحديثاً مرده إلى الإغترار والإعتدال بالرأي ومخالفة الكتاب ونبذ السنة كلياً أو جزئياً، والإستنكاف والإستكبار عن قبولها أو تأويلها تأويلاً، ما أنزل الله به من سلطان ولم يؤثر عن علم من الأعلام.

فالخوارج والرافضة والمعتزلة والمرجئة وغيرهم كثير أوتوا من إنحرافهم عن الصراط المستقيم، ومنهج السلف الصالحين، وإعتدادهم بأقوال الرجال وزبالة أفهامهم، وتقليدهم في ذلك، فالأول لم يترك للآخر شيئاً خيراً كان أم شراً، فكثير من الزائغين عن منهج الله عز وجل هم مقلدة وعالة على سلفهم الطالح وإن إدعوا التحرر والإنعتاق وزعموا أنهم أتوا بما لم يستطعه غيرهم.

ولهذا أطلق أهل السنة، أهل الحق والعدل، على هؤلاء جميعاً قديماً وحديثاً اسماً جامعاً مانعاً وهو: أهل الأهواء لإتباعهم لما تهواه أنفسهم وتزينه لهم عقولهم، فكل الفرق والأفراد الزائغين عن الحق، المنحرفين عنهم، يشملهم هذا الإسم بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى»، قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: «من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى» البخاري.

وجاء في حديث إفتراق الأمة: «افترقت اليهود على إحدى -أو اثنين- وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على إحدى -أو اثنين- وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة»     -أهل السنن، صحيح سنن أبي داود للألباني رقم: 4596، وزاد الترمذي: «إلا واحدة» قالوا: ما هي؟ قال: «ما أنا عليه وأصحابي اليوم».

الثالثة والسبعون هم: أهل السنة والجماعة، الفرقة الناجية. «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة وهم على ذلك» الحديث.

من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون ولا يشكرون أن كل الفرق المنحرفة والأقوال الساقطة آيلة إلى الزوال والإنقراض، ولو بعد حين، ولا يبقى على أصحابها إلا الحسرة والندامة، فويل لمن مات وخلف بعده بدعة ويا فوز من تاب وأعلن توبته على الملأ في الفضائيات كما نشر بدعه عليها، فالمبتدع لا تقبل له توبة إلا إذا أعلنها مفصلة وتبرأ منها بحكم الله عز وجل: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:160] ومن النادر جداً توبة المبتدع.

قال الإمام الشاطبي رحمه الله تحت باب إتباع الهوى: ولذلك سمي أهل البدع أهل الأهواء لأنهم اتبعوا أهواءهم فلم يأخذوا الأدلة الشرعية مأخذ الإفتقار إليها، والتعويل عليها، حتى يصدروا عنها، بل قدموا أهواءهم، وإعتمدوا على آرائهم، ثم جعلوا الأدلة الشرعية منظورا فيها من وراء ذلك، وأكثر هؤلاء هم أهل التحسين والتقبيح، ومن مال إلى الفلاسفة وغيرهم، ويدخل في غمارهم من كان منهم يخشى السلاطين لنيل ما عندهم، أو طلبا للرياسة، فلا بد أن يميل مع الناس بهواهم، ويتأول عليهم فيما أرادوا، حسبما ذكره العلماء ونقله من مصاحبي السلاطين.

الأولون ردوا كثيرا من الأحاديث الصحيحة بعقولهم، وأساؤوا الظن بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحسنوا ظنهم بآرائهم الفاسدة، حتى ردوا كثيرا من أمور الآخرة وأحوالها من الصراط والميزان، وحشر الأجساد، والنعيم والعذاب الجسميين، وأنكروا رؤية الباري، وأشباه ذلك، بل صيروا العقل شارعا جاء الشرع أو لا؟ بل إن جاء فهو كاشف لمقتضى ما حكم به العقل، إلى غير ذلك من الشناعات -الاعتصام للشاطبي-.

قلت: وأنكر مقلدوهم: الحور العين، ونزول عيسى عليه السلام، والإسراء والمعراج، وأن حواء أول الخلق وليس آدم وما شابه ذلك.

فمن أولى أن يصدق؟ أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وما رواه الثقات أمثال البخاري وابن عبد البر، أم الترابي؟

زعم دكتور الترابي أن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج أمنا عائشة رضي الله عنها وهي بنت سبعة عشر سنة، أو لعله أراد ثمانية عشر سنة، لأن هذه هي السن التي يسمح بها الكفار للزواج بالبنت، أما قبل تلك السنة فلا يسمحون لوليها بتزويجها.

ولكن لها أن تستمتع بأصدقاء من الروضة فصاعداً.

وحسب زعم الترابي يكون الرسول صلى الله عليه وسلم جلس مع عائشة سنة واحدة لأنه عندما توفي عنها كان عمرها ثماني عشرة سنة وتوفيت 58هـ وكان عمرها أربعا وستين سنة.

وزعم كذلك أنه تزوج خديجة دون سن الأربعين ولم يأت بدليل واحد إلى ما ذهب إليه إلا أنه زعم أنه من غير الممكن أن يتزوجها في سن الأربعين وتلد له سبعة من الأولاد والبنات أو كما قال.

هذا ما زعمه الترابي واستحسنه بعقله

(أ‌)- سن عائشة عندما عقد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم

أما ما قالته عائشة عن سنها عندما عقد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنها عندما بنى بها ودخل بها كما رواه عنها الشيخان البخاري ومسلم في صحيحهما وغيرهما من أهل السنن:

1= عن عائشة رضي الله عنها قالت: تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم -أي عقد عليّ- وأنا بنت ست سنين، فقدمنا المدينة، فنزلنا في بني الحارث بن خزرج، فوعكت فتمرق شعري فوفي جُميمةً، فأتت أمي أمُّ رومان، وإني لفي أرجوحة، ومعي صواحبٌ لي، فصرخت بي فأتيتها، لا أدري ما تريد بي، فأخذت بيدي حتى أوقفتني على باب الدار، وإني لأنهج حتى سكَن بعض نفسي، ثم أخذت شيئاً من ماء فمسحت به وجهي ورأسي، ثم ادخلتني الدار فإذا نسوة من الأنصار في البيت، فقلن على الخير والبركة، وعلى خير طائر، فأسلمتني إليهن، فأصلحن من شأني، فلم يرعني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى، فأسلمتني إليه، وانا يومئذ بنت تسع سنين-متفق عليه، البخاري رقم: 3894 ومسلم رقم: 1422 جـ2/1038.

2= وفي رواية للنسائي قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا؟ أبو معاوية، قال: حدثنا هشام عن عروة عن أبيه عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت ست، وبنى بها وهي بنت تسع -كتاب النكاح باب نكاح الرجل ابنته الصغيرة رقم: 3255 وقال محققه: صحيح.

3= وفي رواية للنسائي كذلك عن عائشة رضي الله عنها قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم لسبع سنين ودخل عليَّ لتسع سنين -رقم: 3256 وقال محققه: صحيح.

(ب‌)- سن خديجة رضي الله عنها عندما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم:

قال حافظ المغرب ابن عبد البر رحمه الله وهو يترجم لأم المؤمنين خديجة في كتابه: الاستيعاب في معرفة الأصحاب -جـ4/379 - 380: ولم يختلفوا أنه ولد له منها صلى الله عليه وسلم ولده كلهم حاشاه إبراهيم، زوجها إياها عمرو بن أسد بن عبدالعزى بن قصي، وقال عمرو بن أسد: محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب يخطب خديجة بنت خويلد، هذا الفحل لا يقدع أنفه - أي لا يضرب أنفه إذا كان كريماً.

وكانت خديجة إذ تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنت أربعين سنة، فأقامت معه أربعاً وعشرين سنة، وتوفيت وهي بنت أربع وستين سنة وستة أشهر.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ تزوج خديجة ابن إحدى وعشرين سنة وقيل: ابن خمس وعشرين سنة.

وأجمعوا أنها ولدت له أربع بنات كلهن أدركن الإسلام، وهاجرن، فهن: زينب، وفاطمة، ورقية، وأم كلثوم.

وأجمعوا أنها ولدت له ابناً يسمى القاسم وبه كان يُكنَّى، ثم عبدالله، ويقال له الطيب، والطاهر.

لا غرابة أن تلد خديجة رضي الله عنها له صلى الله عليه وسلم أولاده كلهم إلا إبراهيم بعد سن الأربعين بل بعض النساء يلدن بعد سن الخامسة والخمسين، فعادات النساء في ذلك مختلفة، هذا بجانب ما خصت به العربية وسيما القرشيات منهن بالإخصاب فقد صح أن امرأة عربية ولدت لابن سين ثلاثين ولداً.

وإن لم يكن هذا أو ذلك فهل يبعد أن يكرم الله خديجة بذلك؟ فقد أكرمها بما هو أكبر من ذلك ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب، وأرسل الله لها سلامه مع جبريل، وخصت على سائر نسائه بالبنين.

أما بلوغ عائشة رضي الله عنها في سن التاسعة فقد كان أمراً طبيعياً في بني تيم فقد تميزت نساؤهم بالبلوغ المبكر.

سن البلوغ عند البنات والبنين ليست سواء، فهي تختلف من بيئة إلى بيئة، ومن قبيلة إلى قبيلة وعليه فإذا رأت البنت الدم بعد سن التاسعة فهي امرأة ويجوز لوليها أن يزوجها من كفء، رغم أنف الكفار ورداً لإتفاقية سيداو.

هذا هو الحق فماذا بعد الحق إلا التخرصات والضلال والاغترار بالأقوال؟!

وأخيراً وليس آخراً ما المصلحة من التشكيك في الثوابت والمسلمات التي تلقتها الأمة بالقبول؟ اللهم إلا تقليد الكفار ومنافقتهم المفضية إلى غضب الجبار.

اعلم اخي القارئ أن الأمة لن تؤتى من قبل علمائها قط، وإنما تؤتى من قبل أهل الأهواء، وإستصحب دائماً ما قاله الإمامان الكبيران محمد بن سيرين ومالك الإمام: إن هذا العلم دين فانظروا ممن تأخذون دينكم.

والحمد لله وكفى، اللهم ردنا إليك جميعاً رداً جميلاً، وهب المسيئين منا للمحسنين، واختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين، وصلى الله وسلم على الرسول المجتبى وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم إلى يوم اللقاء.

 

الكاتب: الأمين الحاج محمد أحمد.

المصدر: موقع الدين النصيحة.